-->

المواضيع

لا تحزن

لا تحزن

للشيخ /  عائض القرني


إرادةٌ فولاذيةٌ -  فطرة اللهِ

إرادةٌ فولاذيةٌ

ذهب طالبٌ منْ بلادِ الإسلامِ يدرسُ في الغربِ ، وفي لندن بالذاتِ ، فسكن مع أسرةٍ بريطانيةٍ كافرةٍ ، ليتعلَّم اللغة ، فكان متديِّناً وكان يستيقظُ مع الفجرِ الباكرِ ، فيذهبُ إلى صنبورِ الماءِ ويتوضأُ ، وكان ماءً بارداً ، ثمَّ يذهبُ إلى مصلاَّهُ فيسجدُ لربِّه ويركعُ ويسبحُ ويَحْمَدُ ، وكانتْ عجوزٌ في البيتِ تلاحظهُ دائماً ، فسألتْه بعد أيامٍ : ماذا تفعلُ ؟ قال : أمرني ديني أنْ أفعل هذا . قالتْ : فلو أخَّرْت الوقت الباكر حتى ترتاح في نومِك ثمَّ تستيقظ . قال : لكنَّ ربي لا يقبلُ منِّي إذا أخّرتُ الصلاة عن وقتِها . فهزَّتْ رأسها ، وقالتْ : إرادةٌ تكسرُ الحديد !! ﴿ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ  .
إنِّها إرادةُ الإيمانِ ، وقوةُ اليقينِ ، وسلطانُ التوحيدِ . هذهِ الإرادةُ هي التي أوحتْ إلى سحرةِ فرعون وقدْ آمنوا باللهِ ربِّ العالمين في لحظةِ الصراعِ العالميِّ بين موسى وفرعون ، قالوا لفرعون : ﴿ قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ  . وهو التحدّي الذي ما سُمع بمثلِهِ ، وأصبح عليهمْ أنْ يؤدُّوا هذه الرسالة في هذه اللحظةِ ، وأنْ يبلِّغوا الكلمة الصادقة القوية إلى هذا الملحدِ الجبارِ .
لقدْ دخل حبيبُ بنُ زيدٍ إلى مسيلمة يدعوه إلى التوحيدِ ، فأخذ مسيلمةُ يقطعُهُ بالسيفِ قطعةً قطعةً ، فما أنَّ ولا صاح ولا اهتزَّ حتى لقي ربَّ شهيداً ، ﴿ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ   .
ورُفع خُبيبُ بنُ عديٍّ على مشنقةِ الموتِ ، فأنشد :
ولستُ أبالي حين أُقتلُ مسلماً


على أيِّ جنبٍ كان في اللهِ مصرعي

 فطرة اللهِ

إذا اشتدَّ الظلامُ وزمجر الرَّعْدُ وقصفتِ الريحُ، استيقظتِ الفطرةُ. ﴿جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ . غَيْرَ أنَّ المسلم يدعو ربَّه في الشدَّةِ والرخاءِ ، والسراءِ والضراءِ : ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ{143} لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  . إنَّ الكثير يسألُ الله وقت حاجتِه وهو متضرِّعٌ إلى ربِّه ، فإذا تحقَّق مطلبُه أعرض ونأى بجانبِه ، واللهُ عزَّ وجلَّ لا يُلعبُ عليه كما يُلعبُ على الولدانِ ، ولا يُخادعُ كما يُخادعُ الطفلُ ، ﴿ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ  . إنَّ الذين يلتجئون إلى اللهِ في وقتِ الصَّنائعِ ما همْ إلا تلاميذٌ لذاك الضالِّ المنحرفِ فرعون ، الذي قيل لهُ بعد فواتِ الأوانِ : ﴿ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ   .
سمعتُ هيئة الإذاعةِ البريطانيةِ تُخبرُ حين احتلَّ العراقُ الكويت : أن تاتشر رئيسة الوزراءِ البريطانية السابقة كانت في ولايةِ كلورادو الأمريكيةِ ، فلما سمعتِ الخبر هُرِعتْ إلى الكنيسةِ وسجدتْ !
ولا أفسرُ هذه الظاهرة إلا باستيقاظِ الفطرةِ عند مِثْلِ هؤلاءِ إلى فاطرِها عزَّ وجلَّ ، مع كفرِهم وضلالِهم ، لأنَّ النفوس مفطورةٌ على الإيمانِ بهِ تعالى : (( كلُّ مولودِ يُولدُ على الفطرةِ ، فأبواهُ يهوِّدانِهِ أو ينصِّرانِه أو
 يمجِّسانِهِ )) . 

TAG

عن الكاتب :

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *