لا تحزن
للشيخ /عائض القرني
نقْد أهلِ الباطلِ والحُسَّادِ
فإنك مأجورٌ – من نقدهمْ وحسدهِمْ – على صبرِك ، ثمَّ إنَّ نقدهُمْ يساوي قيمتك ، ثم إنَّ الناس لا ترفسُ كلباً ميتاً ، والتافهين لا حُسَّاد لهم .
قال أحدُهمْ :
إن العرانين تلقاها مُحَسَّدةً
|
ولا ترى لِلِئَامِ الناسِ حُسَّادا
|
وقال الآخر :
حَسَدُوا الفتى إذْ لم ينالوا سعيَهُ
|
فالناسُ أعداءٌ لهُ وخصومُ
| |
كضرائرِ الحسناءِ قُلْن لوجهِهَا
|
حسداً ومقتاً إنهُ لذميمُ
|
وقال زهيرٌ :
مُحسَّدُون على ما كان من نِعَمٍ
|
لا ينزعُ الله منهمْ ما له حُسِدوا
|
وقال آخرُ :
همْ يحسدوني على موتي فوا أسفاً
|
حتى على الموتِ لا أخلو مِنَ الحسدِ
|
وقالُ الشاعرُ :
وشكوتَ مِن ظلمِ الوشاةِ ولنْ تجدْ
|
ذا سؤددٍ إلا أُصيب بحُسَّدِ
| |
لا زلت ياسِبط الكرامِ محسَّداً
|
والتافهُ المسكينُ غيرُ محسَّدِ
|
سألَ موسى ربَّ أنْ يكفَّ ألسنةَ الناسِ عنهُ ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : (( يا موسى ، ما اتخذتُ ذلك لنفسي ، إني أخلقُهم وأرزقُهُمْ ، وإنهم يسبُّونَنِي ويشتُموننِي )) !!
وصحَّ عنهُ r أنهُ قال : (( يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : يسبُّني ابنُ آدمَ ، ويشتمني ابنُ آدم ، وما ينبغي له ذلك ، أمَّ سبُّه إياي فإنهُ يسبُّ الدهر ، وأنا الدهرُ ، أقلِّبُ الليلَ والنهارَ كيف أشاءُ ، وأما شتمُه إياي ، فيقولُ : إنّ لي صاحبةً وولداً، وليسَ لي صاحبةٌ ولا ولدٌ)).
إنكَ لنْ تستطيع أن تعتقل ألسنةَ البشرِ عن فرْي عِرْضِك ، ولكنك تستطيعُ أن تفعلَ الخيرَ ، وتجتنب كلامهم ونقدهم .
قال حاتمٌ :
وكلمةِ حاسدٍ منْ غيرِ جرْمِ
|
سمعتُ فقلتُ مٌرّي فانفذيني
| |
وعابوها عليَّ ولم تعِبْني
|
ولم يند لها أبداً جبيني
|
وقال آخرُ :
ولقدْ أمرُّ على السفيهِ يسُبُّني
|
فمضيتُ ثَمَّة قلتُ لا يعنيني
|
وقال ثالثٌ :
إذا نَطَقَ السَّفيهُ فلا تُجِبْهُ
|
فخيرٌ مِنْ إجابِتِه السكوتُ
|
إنَّ التافهين والمخوسين يجدون تحدِّياً سافراً من النبلاءِ واللامعين والجهابذةِ .
إذا محاسني اللائي أُدِلُّ بها
|
كانتْ ذنوبي فَقُلْ لي كيف أعتذرُ؟!
|
أهلُ الثراءِ في الغالبِ يعيشون اضطراباً ، إذا ارتفعتْ أسهمُهم انخفضَ ضغطُ الدمِ عندهم ، ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ{1} الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ{2} يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ{3} كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾ .
يقولُ أحدُ أدباءِ الغَرْبِ : افعلْ ما هو صحيحٌ ، ثم أدرْ ظهرك لكلِّ نقدٍ سخيفٍ !
ومن الفوائدِ والتجاربِ : لا تردَّ على كلمةٍ جارحةٍ فيك ، أو مقولةٍ أو قصيدةٍ ، فإنَّ الاحتمالَ دفنُ المعايبِ ، والحلم عزٌّ ، والصمت يقهرُ الأعداء ، والعفو مثوبةٌ وشرفٌ ، ونصفُ الذين يقرؤون الشتم فيك نسوهُ ، والنصفُ الآخرُ ما قرؤوه ، وغيرهم لا يدرون ما السببُ وما القضيةُ ! فلا تُرسِّخْ ذلك أنت وتعمِّقهُ بالردِّ على ما قيل .
يقولُ أحدُ الحكماءِ : الناسُ مشغولون عني وعنك بنقصِ خبزِهم ، وإنَّ ظمأ أحدِهم ينُسيهم موتي وموتك .
بيتٌ فيه سكينةٌ مع خبز الشعيرِ ، خيرٌ من بيتٍ مليء بأعدادٍ شهيةٍ من الأطعمةِ ، ولكنه روضة للمشاغبة والضجيج .