الأسماك
الأسماك fishes
فقاريات [ر] مائية، زعنفية، غلصمية التنفس وغالباً حرشفية الجلد، متبدلة
الحرارة. بعضها صغير الحجم لا يتجاوز بضعة مليمترات، وبعضها الآخر يصل طوله
إلى 17م.
صُنِّفَ منها 20500 نوع تقريباً، معظمها عظمي، إلا أن منها نحو 800 نوع من الأسماك الغضروفية. وهناك نحو 50 نوعاً من عديمات الفك أو اللافكيات Agnatha هي اليوم صف مستقل عن الأسماك، كانت تصنف قديماً مع الأسماك.
وقد
احتلت الأسماك منذ القدم مكاناً كبيراً في الاقتصاد، ويتزايد هذا الدور
باستمرار بتزايد السكان. كما تطورت تقانات صيدها بدءاً من الرمح حتى السفن
المزودة بالمصانع. فازداد معدل الصيد العالمي من 30 مليون طن عام 1955 إلى
70 مليون طن عام 1970، ومنذ ذلك الوقت إلى عام 1983 راوح الإنتاج بين 65
و73 مليون طن في العام. وقد أصبح صيد السمك اليوم صناعة تتميز بها بعض
الدول، إذ تنتج اليابان والصين وأمريكة وروسية والبيرو نصف إنتاج العالم من
السمك. ومن الدول التي تسهم في صيد الأسماك على نطاق واسع كندا وبريطانية.
وتأتي
أهمية الأسماك من كونها مصدراً جيداً للبروتين الغذائي. ويشكل السمك في
بعض أنحاء العالم جزءاً مهماً من الوجبة الغذائية للإنسان. كما أن بيوض
السمك تعد وجبة فاخرة لبعض الجماعات البشرية (الكافيار هو بيض الحَفْش sturgeon).
ولم يقتصر الطلب البروتيني على حاجة الإنسان المباشرة بل تعداها إلى استعماله علفاً للحيوانات. فنصف ما تصطاده الدنمارك مثلاً يستهلك علفاً.
ويستخرج
من بعض أنواع السمك زيته والصمغ والأسمدة. إضافة إلى أهمية الأسماك من
الناحية العلمية، سواء كان ذلك باستخدامها في التجارب الفيزيولوجية أو
لكونها تساعد على فهم العوامل التي أدت إلى ظهور بقية الفقاريات.
تصنيف الأسماك
اعتمد الباحثون الهيكل
العظمي في التصنيف لأنه يتيح المقارنة مع المستحاثات التي حفظت هياكلها.
وقد وضعت للأسماك تصنيفات كثيرة، والتصنيف التالي يمثل واحداً منها، وقد
أشير إلى المجموعات المنقرضة بنجمة صغيرة:
ـ صف لوحيات الأدمة Placodermi
ـ صف الأسماك الغضروفية Chondrychthyes
1ـ صفيف كاملات الرأس Holocephali وفيه:
أ ـ رتبة خرافيات الشكل Chimaeriformes
2 ـ صفيف صفيحيات الغلاصم Elasmobranchii
أ ـ رتبة الأشلاقيات Selachii: تضم أسماك القرش
ب ـ رتبة المفلطحات Batoiidoe: تضم الشفنين ray
ـ صف الأسماك العظمية Osteochthyes
1 ـ صفيف الأسماك الشائكة *Acanthodii
2 ـ صفيف شعاعيات الزعانف Actinopterygii
أ ـ فوق رتبة النازليات Paleonirci
ب ـ فوق رتبة كثيرات الزعانف Palypteri
جـ ـ فوق رتبة الغضروفيات العظمية Chondrostei (اللامعات الغضروفية): تضم سمك الحفش وغيره.
هـ ـ فوق رتبة كاملات التعظم Holostei (اللامعات العظمية): تضم أَمْيَه Amia ولِبِّسْتوس Lepistos.
و ـ فوق رتبة مكتملات العظام Teleostei: تضم معظم الأسماك العظمية المعروفة.
3 ـ صفيف لحميات الزعانف Sarcopterygii
أ ـ رتبة قوسيات الزعانف Crossopterygii: تضم لاتِمِرْيَه ومَلانية.
ب ـ رتبة ذوات التنفسين (الأسماك الرئوية) Dipnoi: تضم ثلاثة أجناس، واحد في إفريقية وآخر في أسترالية وثالث في أمريكة الجنوبية.
تطور الأسماك
أسلاف الأسماك: يعود أقدم المستحاثات الفقرية لحيوانات مدرعة عديمة الفكوك من أواسط عصر الأُردُفيشي Ordovician، (منذ 450 مليون سنة) (الشكل 1) تسمى قوقعيات الأدمة Ostracodermi،
يعتقد أن معظم أفرادها عاش في المياه العذبة. وقد انطفأت قوقعيات الأدمة
في أواخر الديفوني، إلا أنها تركت آثارها ممثلةً برتبة مستديرات الفم Cyclostomata
التي مازالت حية في أيامنا هذه (الجلكا). ويعتقد أنه قبل اندثار قوقعيات
الأدمة في أواخر السيلوري وأوائل الديفوني قد تحدرت منها أسلاف الفكيات،
الممثَّلة بمجموعتين، هما لوحيات الأدمة والأسماك الشائكة. وانقرضت
المجموعة الأولى وبقيت المجموعة الأخرى (الأسماك الشائكة) التي تعد بحق
أسلاف الفكيات. إلا أنها بدأت هي الأخرى بالانقراض بعد الديفوني.
الشكل (1) شجرة تطور الأسماك، تبين علاقات المجموعات السمكية ببعضها وغزارتها النسبية وتوزعها في الأزمات المذكورة
|
ظهور الأسماك:
ظهرت الأسماك في أوائل الديفوني، منذ 390 مليون سنة تقريباً، في المياه
العذبة، وبدأ ذلك بالأسماك العظمية وتبعتها الأسماك الغضروفية إلا أنها
بدأت تغزو البحار وتنتشر فيها في منتصف الحقب المتوسط Mesozoic. ومنذ البداية ترسخ خطان تطوريان استمدا أصلهما من الأسماك الشائكة:
ـ
تمثل الخط الأول بشعاعيات الزعانف التي تعد أكبر صفوف الأسماك وتحتوي على
52 رتبة. وقد مرت هذه المجموعة في ثلاث مراحل تاريخية. في المرحلة الأولى
ظهرت الأسماك الغضروفية العظمية (اللامعات الغضروفية) التي أصبحت بحكم
المنقرضة في أواسط الكريتاسي، أي منذ 100 مليون سنة تقريباً، وبقي منها
الحفش البحري والنهري، وسمك المجداف paddle fish في المسيسيبي من أمريكة الشمالية، ويانغتسي في الصين، وبعض الأسماك المتعددة الزعانف Polypteridae في إفريقية. وفي أواخر الفحمي (منذ 300 مليون سنة تقريباً) ظهرت كاملات التعظم
(اللامعات العظمية) التي انقرضت أيضاً في أواسط الثلاثي منذ 50 مليون سنة
تقريباً. وبقيت منها مجموعتان في أمريكة الشمالية. أما المرحلة الثالثة
فبدأت في أواخر الترياسي منذ نحو 190 مليون سنة عندما ظهرت مكتملات العظام التي وصلت إلى قمة التطور في الخمسين مليون سنة الماضية، وأعطت معظم الأسماك العظمية الحالية.
وتمثَّل الخط التطوري الثاني للأسماك العظمية بلحميات الزعانف التي ظهرت في أوائل الديفوني، وانبثقت عنها ذوات التنفسين (الأسماك الرئوية) وقوسيات الزعانف التي يعتقد أن البرمائيات قد اشتقت منها. ويوجد من ذوات التنفسين ثلاثة أجناس فقط تعيش في المياه العذبة. واحد منها (Ceratodus) في قارة أسترالية والآخر (Protopterus) في إفريقية والثالث (Lepidosiren) في أمريكة الجنوبية. أما فصِّيات الزعانف فكان يعتقد أنها منقرضة حتى تم اصطياد نموذج منها Latimeria calumnae عام 1938 قرب رأس الرجاء الصالح، ثم وُجد نوع آخر Malania anjouanae يعيش مع النوع الأول في المحيط الهندي قرب جزر القمر، وتشكلت منهما مجموعة سميت شوكيات الجوف Caelacanthidae.
أما أوائل الأسماك الغضروفية فقد ظهرت في البحار، ممثلة بالأشلاقيات المتفرعة Cladoselachii، في أواسط الديفوني، لتزدهر وتتنوع في أواخره، ولتتخذ لنفسها أنماطاً مختلفة من الحياة، فظهرت كاملات الرأس التي تتمثل بقاياها اليوم بخرافيات Chimeras المياه العميقة، وصفيحيات الغلاصم التي ظهر منها في بدايات الجوراسي (قبل 180 مليون سنة) الأسماك الغضروفية المعروفة اليوم التي تضم أسماك القرش (الأشلاقيات) والشفنين skate المنبسط (المفلطحات Batoidea).
شكل الأسماك
للأسماك جسم مغزلي انسيابي يساعد على اختراق الماء بأقل مقاومة. ويرتبط الرأس
مباشرة بالجذع في موقع ارتباط الزنار الكتفي من دون وجود رقبة. والجسم في
معظم الأسماك مضغوط من الجانبين، وخاصة الذيل الذي يساعد على الحركة. ولكن
بعض الأسماك يشذ عن هذا النمط العام، فالأسماك المنتفخة puffer fish كروية تقريباً، والأنقليس [ر] Anguilla كالحية، وفرس البحر مشهور بشكله المميز وطريقته الخاصة في السباحة الشاقولية، والشفنين بتسطحه.
ولمعظم
الأسماك زعانف فردية وزعانف شفعية. تتمثل الزعانف الفردية بزعنفة ظهرية
واحدة أو اثنتين، وبزعنفة ذيلية تمثل ذيل الحيوان، وبزعنفة شرجية خلف
الفوهة الشرجية.
وتتمثل الزعانف الشفعية بزعنفتين صدريتين وزعنفتين حوضيتين تقابل أطراف المشي الأربعة في الفقاريات الرباعية الأرجل. وهي تساعد على المناورة السريعة.
الشكل (2) الشكل العام والبنية العامة للأسماك
|
الهيكل
هو غضروفي في الأسماك الغضروفية مثل الأشلاقيات [ر]، إلا أنه يتصلب أحياناً بترسب أملاح الكلس، بيد أن الأمر لا يصل لدرجة التعظم. أما الأسماك العظمية فهيكلها متعظم بدرجات متفاوتة بحسب المجموعات السمكية.
ويتألف الهيكل في الأسماك من ثلاثة أقسام:
هيكل الرأس: ويتمثل بالجمجمة التي تتألف من عظام كثيرة تختلف في أشكالها وأعدادها باختلاف الأنواع.
الهيكل المحوري: ويتمثل بالعمود الفقري الذي يتألف من فقرات مضاعفة التجويف amphicoelic مثقوبة الجسم، ويختلف شكلها بحسب موقعها من الجسم. فالفقرات البطنية تعلوها قوس عصبية neural arc يمر منها النخاع الشوكي وتمتد نحو الأعلى بشوكة عصبية neural spine. وعلى جانبي جسم الفقرة ناتئان عظميان ترتكز على كل منهما ضلع. أما الفقرات الذيلية فتحمل مقابل الشوكة العصبية شوكة دموية hoemal spine وقوساً دموية يمر فيها الأبهر الظهري الذي ينقل الدم إلى منطقة الذيل.
ويمتد العمود الفقري في الفص العلوي من الزعنفة الذيلية للأسماك الغضروفية مكوِّناً مايسمى الذيل المتباين heterocercal، في حين تكون الزعنفة الذيلية للأسماك الأخرى متناظرة مكوِّنة مايسمى الذيل المتناظر homocercal أو المزدوج diphicercal.
هيكل الزعانف: تدعم الزعانف قضبان هيكلية تسمى الأشعة الزعنفية fin rays
تصطف بترتيب يختلف بحسب الأنواع، وتتألف من مادة قرنية (الأسماك
الغضروفية) أو عظمية (الأسماك العظمية). وإن لبعض الأسماك زعانف «شحمية»
لا تدعمها أي عناصر هيكلية، كالتروتة والسلمون.
جلد الأسماك
جلد الأسماك، كما في جميع الفقاريات، نسيج ظهاري مُطَبَّق stratified وهو يعد أكثر من مجرد غلاف واقٍ، فهو يحتوي على خلايا حاملة للصبغة تحوي مادة سوداء أو سمراء تسمى المِلانين melanin، وبعض الأصبغة الأخرى كالكاروتِن caroten الأصفر والأحمر، والغوانين guanin
الأبيض، وتكثر على الوجه البطني للسمك، وتمنح هذه الحيوانات ألوانها
المميزة. وتقوم بعض الخلايا بإفراز المخاط الذي يشكل، مع الخلايا الملونة،
وسائل تمويه ودفاع ووقاية من الأمراض، كما تقوم خلايا جلد بعض الأسماك
الغضروفية بإفراز مادة سامة. ويحتوي الجلد في أسماك الأعماق على أعضاء
مضيئة، ويستعمل في التنفس لدى بعض الأنواع، كما يفعل القوبيون mud skipper حين يخرج من الماء مدة قليلة.
وتغطي
الجلد حراشف تساعد في معرفة عمر السمكة، وعلى تصنيف الأنواع أحياناً.
فحراشف الأسماك العظمية عظمية البنية ولا تتجدد إذا ما سقطت لأنها أدمية
الأصل dermal. ويوجد منها في الأسماك الابتدائية حراشف «كُسْمانية» cosmoid وحراشف لامعة ganoid، وفي الأسماك العظمية الراقية حراشف دائرية cycloid (الشبوط carp والرنكة herring) وحراشف مشطية ctenoid مسننة في طرفها الحر (الفرخ perch).
أما حراشف الأسماك الغضروفية فهي من نوع الحراشف اللوحية placoid ولها بنية أسنان الفقاريات، لذلك فهي تتجدد إذا ماسقطت، وتكون دقيقة تمنح جلد سمك القرش ملمساً خشناً مثل الحجر الرملي.
التغذي وجهاز الهضم
يميز في الأسماك أنواع عاشبة herbivorous تتغذى بالنباتات فقط، وهي أقل نسبة بين الأسماك، مثل الشبوط العشبي، وأنواع لاحمة carnivorous
تتغذى بالحيوانات الأخرى، وهي تمثل أكبر مجموعة من الأسماك، وتضم الأسماك
المفترسة التي تبتلع الأسماك الأخرى كاملة. وهناك أسماك قارتة omnivorous تتغذى بالنبات والحيوان، مثل بعض أنواع البوري mugil. ويتغذى معظم الأسماك بوجبة مختلطة من الكائنات، كما أن السمكة الواحدة قد تتغذى بأنواع تختلف مع اختلاف مراحل نموها.
وجهاز الهضم لدى الأسماك مشابه لأمثاله في الفقاريات
الأخرى (الشكل 3). فهو يبدأ بالفم الحاوي على الفكين والأسنان أحياناً، ثم
يلي ذلك البلعوم والمري والمعدة فالأمعاء التي تنتهي بفتحة الشرج.
ويتنوع
شكل الفم والخطم وفق الوظيفة الغذائية. فعظام الفك العلوي في الأسماك
العظمية الراقية متطاولة لتمكن الفك من البروز. ومن الأفواه ما هو ماص، ومنها اللاقط أو القاضم. فأفواه الأسماك الأنبوبية pipefish
مثلاً توجد على خطم أنبوبي تستعمله الأسماك ممصاً لرشف الكائنات الدقيقة،
وتغلَّظت شفاه بعض أنواع السِلَّور لتكوِّن ممصات تلتصق على الصخر لتمكِّن
الأسنان من كشط النباتات.
وتتوضع الأسنان بطرائق مختلفة بحسب الأنواع: على الفكين أو على اللسان أو سقف الحلق وعلى الأقواس الغلصمية. فأسنان الشبوطيات مثلاً بلعومية ويتم المضغ بمساعدة سقف البلعوم.
والأسنان
متماثلة على الفك، ولكن لبعض الأنواع مايشبه الأنياب في مقدمة الفكوك،
وتحتفظ الأسماك بأسنانها طيلة حياتها، إلا أنه يمكن أن يُستبدل بها أحياناً
صفٌ جديد يلي الصف الذي سقط، كما في بعض أنواع السِّلَّوْر.
وللأسماك المفترسة معدة كبيرة وأمعاء قصيرة جداً، ولكن السطح الداخلي لها يزداد بتشكل دسام حلزوني يسهم في زيادة سطح الامتصاص.
أما الأسماك القارتة فمعدتها صغيرة وأمعاؤها طويلة، ويعادل طولها 5 ـ 10
مرات طول الجسم في الأسماك العاشبة. وتنعدم المعدة تماماً لدى الشبوطيات،
إذ يتصل المريء مباشرة بالأمعاء.
ويلحق بأنبوب الهضم زوائد بوابية pyloric caecae
في منطقة التقاء المعدة بالأمعاء تفرز بعض الإنظيمات. وهناك كبد كبيرة
غنية بالزيوت والفيتامينات، وتحتوي على حويصل صفراوي. والبنكرياس متناثر
يحيط بالأمعاء أو يكون مدفوناً في الكبد. كما يرتبط الطحال عادة بالمعدة.
الدوران
جهاز
الدوران مفرد بمعنى أنه لا توجد دورة صغرى ودورة كبرى، فالدم يمر بالقلب
مرة واحدة في أثناء دورانه. والقلب عضلي ويتألف من أذين وبطين. ويسبق
الأذين جيب وريدي sinus venosus، ويلي البطين بصلة شريانية bulbus arteriosus تمثل ثخانة الجزء الأول من الشريان الأبهر (الشكل 3).
الشكل (3) تمثل جهاز الدوران لدى الأشلاقيات
|
ويُضَخ الدم غير المؤكسَج إلى الأمام ليمر بالغلاصم لأكسجته، ثم إلى جميع أنحاء الجسم. وللأسماك جملة بوابية portal system بين الوريد المعوي والوريد تحت الكبد، وفي الكليتين.
ودم
الأسماك أحمر يحتوي عموماً على كريات بيضاء وحمراء، تختلف سعتها
الأكسجينية من نوع لآخر، فهي في الأسماك العادية تساوي 8% حجماً، إلا أنها
تكون 19.6% حجماً في الأسقمريات، ولا تزيد لدى الأسماك البطيئة الحركة على
5.3% حجماً.
التنفس
تستمد
الأسماك الأكسجين من الماء، وقليل منها تأخذه من الهواء مستخدمة كيسها
السباحي أو وسائل أخرى. وفي أثناء عملية التنفس العادية يدخل الماء إلى
الفم ويخرج من تحت غطاء الغلاصم لدى الأسماك العظمية أو من الفتحات
التنفسية في الأسماك الغضروفية، بعد أن تكون الغلاصم قد استخلصت منه
الأكسجين. وتفرض أنماط حياة معينة تعديلات على هذا الوضع، فالحياة شبه
الطفيلية لسمك الجِرِّيْث (جِرِّيّ) hag fish مثلاً، تتطلب أن يصل الماء إلى أكياسه الغلصمية عن طريق منخر يتصل بالفجوة البلعومية.
الشكل (4) شكل تخطيطي يمثل توضع الأقواس الغلصمية لدى الأسماك الغضروفية (إلى اليسار) والأسماك العظمية (إلى اليمين)
|
الغلاصم
(الخياشيم): تتألف الغلاصم في الأسماك العظمية من أربع أقواس غلصمية تحمل
الخيوط الغلصمية وتتألف كل منها من صفيحة أولية تحمل صفائح ثانوية تتوازى
مع جريان الماء داخل الغرفة الغلصمية (الشكل 4)، ويحدث التبادل الغازي
الحقيقي من جدران هذه الصفائح.
وتجدر الإشارة إلى أن الغلاصم تقوم أيضاً بعمليات تبادل حراري وشاردي (أيوني) مستعينة بالفرق بين تركيب الماء والدم.
تنفس
الهواء: وهو يقتصر على بعض الأسماك. ويتم هذا التنفس عبْر أغشية جهاز
الهضم، أو بوساطة عضو خاص فوق الغرفة الغلصمية، أو بوساطة رئتين تقعان تحت
قناة الهضم (يقع الكيس السباحي على العموم فوق قناة الهضم) وفي بعض الأنواع
يستعمل الكيس السباحي رئةً، كما في الطربون tarpon. ويبدو أن التنفس الهوائي في الأسماك له علاقة بالبيئة المحيطة بها، إذ إن معظم الأسماك التي تتنفس الهواء تعيش في مياه يقل فيها الأكسجين فصلياً أو على نحو دائم.
الإطراح والتنظيم الحلولي
يتألف
جهاز الإطراح في الأسماك من كليتين شريطيتين تمتدان على طول الحيوان تحت
العمود الفقري مباشرة. تمتد كل منهما بحالب يلتقي مع نظيره في فتحة واحدة
تنفتح إلى الخارج مباشرة، كما في الأسماك العظمية، أو تنتهي في مقذرة في
الأسماك الغضروفية.
ويبدو أن كلية الأسماك ليست عضواً رئيساً في طرح الفضلات النتروجينية، إذ إن هذه الفضلات تخرج عن طريق الغلاصم على شكل نشادر (NH3) أو أمونيوم (NH-4).
فالغلاصم قادرة على تنظيم امتصاص الشوارد الأحادية التكافؤ وتنظيم التوازن
الأساسي الحامضي، والخلايا الكلوريدية في هذه الغلاصم هي التي تقوم بطرح
الأملاح في ماء البحر وامتصاصها من المياه العذبة. أما الكلية فتقوم بطرح
الماء، في حالة أسماك المياه العذبة التي تميل إلى خسارة الأملاح، وكذلك
بالتخلص من الشوارد (الأيونات) الثنائية التكافؤ مثل المغنزيوم والسلفات.
واختصاراً يقوم جهاز الاطراح لدى الأسماك بالتنظيم الحلولي. ويُميَّز من هذه الحيوانات، في هذا المجال عدة مجموعات، أهمها:
الأسماك العظمية البحرية: وتتصف
بأن سوائلها الداخلية أقل تركيزاً من ماء البحر. فالمشكلة هنا تتمثل
بخسارة الماء عبر سطوحها النفوذة. لذلك تشرب هذه الأسماك الماء وتمتصه عبر
قناتها الهضمية. ولما كان امتصاص الماء يرافقه امتصاص الأملاح، ولما كانت
هذه الأسماك تكوِّن قليلاً من البول، فإن الحفاظ على التوازن المائي هذا
يقابله خسارة كبيرة في الصوديوم والكلور. وقد تبين أن المريء نَفُوذ لهاتين
المادتين، وهكذا يصل السائل الداخل إلى الأمعاء أقل تركيزاً من ماء البحر،
ويقارب توتره توتر الدم. وتقوم الخلايا الكلوريدية الغلصمية بطرح كلور
الصوديوم.
الأسماك العظمية في المياه العذبة: تتصف
بأن سوائلها الداخلية أعلى تركيزاً من الماء المحيط. لذلك يدخل الماء عن
طريق كل الأغشية النفوذة لديها وتخرج الأملاح إلى الوسط المحيط الأقل
توتراً. لهذا فإن هذه الحيوانات لا تشرب تقريباً وتكوِّن كميات كبيرة من
البول الممدد لأن إعادة امتصاص الماء من الرشاحة الكُبِّيَّة ضئيل جداً، في
حين تمتص الأملاح بكثرة. ولما كانت الأملاح تخرج بكثرة عن طريق الغلاصم
عادة، فإن هذه الغلاصم قد تزودت بجهاز خاص لإعادة امتصاص الأملاح. وقد تبين
أن امتصاص الصوديوم والكلور هما عمليتان مستقلتان مما يساعد على الحفاظ
على التوازن الكهربائي الساكن.
الأسماك الغضروفية: ويشابه
دمها دم الأسماك العظمية في المياه العذبة، فالتوتر الحلولي لدمها أعلى من
توتر ماء البحر. إلا أن السبب في ذلك يعود في معظمه إلى البولة لا إلى
الأملاح الأخرى. وهي تحافظ على هذا التوتر العالي بإعادة امتصاص البولة من
الرشاحة الكبية وإنتاج بول ممدد. أما الأملاح الموجودة في ماء البحر فإنها
تندفع إلى الدم عن طريق الغلاصم ويتم طرحها عن طريق غدد في المستقيم rectal glands تفرز محلولاً مركزاً من كلور الصوديوم.
الجملة العصبية المركزية
هي متماثلة في الأسماك، مع وجود اختلافات في تطور أجزاء معينة منها بين نوع وآخر. ولها الخطة العامة للجملة العصبية في الفقاريات الأخرى. فهناك دماغ ونخاع شوكي وأعصاب قحفية وأخرى شوكية، إضافة إلى جملة عصبية مستقلة.
ويتألف الدماغ من مخ ومخيخ وبصلة سيسائية. وتمر التعليمات الشمية إلى مقدمة المخ التي تمثل الدماغ الطرفي telencephalon، وتصل التعليمات البصرية إلى مراكز الرؤية فيما يسمى بالدماغ المتوسط mesencephalon.
أما التعليمات السمعية وما يأتي عن طريق الخط الجانبي فيصل إلى المخيخ
مركز توازن الحيوان وحركته. لذا يكون هذا الجزء ضخماً لدى الأشلاقيات، ولا
سيما أسماك القرش المفترسة.
وتنطلق من البصلة السيسائية بقية الأعصاب القحفية، وهي تضم أيضاً المراكز التي تنظم التنفس والتنظيم الحلولي.
أما
النخاع الشوكي فيعد، بمادته السنجابية المركزية التي تحيط بالقناة
السيسائية، مركزاً للأفعال الانعكاسية، كما يُعدُّ، بمادته البيضاء
المحيطية، طريقاً تسلكه السيالة العصبية الحسية والمحركة. كما تبرز من
النخاع الشوكي الأعصاب الشوكية بجذورها الظهرية الحسية والبطنية المحركة،
التي تتحد لتكوِّن الأعصاب الشوكية المختلطة.
الحس
وتميز هنا عدة فعاليات:
استقبال الصوت:
إن أذن الأسماك تطابق الأذن الداخلية للثدييات. ويبدو أن الكيس السباحي
يؤدي دوراً مهماً في ذلك، بدليل أن الأسماك التي لا يوجد لديها اتصال بين
كيسها السباحي وأذنها مثل الطون والموره (الغادُس أو القد) لا تسمع أصواتاً
تزيد تردداتها على 400 هرتز. أما في حال وجود الاتصال فبإمكانها أن تسمع
أصواتاً يصل ترددها إلى 7 كيلو هرتز. وقد وصف ويبر Weber العظيمات التي تصل بين الكيس والأذن أول مرة عام 1820، لذلك تسمى جهاز ويبر Weberian apparatus.
إصدار الصوت:
ويتم بطرائق مختلفة. فالأسماك تصر أسنانها وتحك أشواكها وأشعتها الزعنفية،
وتتجشأ وتتجرع الهواء، وتُخْرِج الريح. ويشارك الكيس السباحي في ذلك فيقوم
بدور مضخم للصوت (رنان) resonator. وقد يصل تردد (تواتر) هذه الأصوات إلى 400 هرتز، ولها أهمية في مواسم التكاثر وفي تحري الغذاء واتصالات الأسماك بعضها ببعض.
الرؤية:
يوجد في المناطق السطحية من المياه، ضوء كاف للرؤية. أما في الأعماق
المظلمة فإن العيون تكون غاية في التعقيد وكبر الحجم كي تتلاءم مع بريق
التألق الحيوي الذي تصدره كائنات الأعماق. وفي الكهوف، حيث لا أثر للضوء أو
البريق، تستحيل الرؤية، ويستغني أربعون نوعاً من الأسماك عن العيون.
وبإمكان الخط الجانبي للجريث (الجرِّيَّ) استقبال الضوء، وفي الكثير من
الأسماك توجد نافذة فوق الغدة الصنوبرية حساسة للضوء، تسمى العين
الصنوبرية.
وعدسة العين كروية، وتتمتع بنوعية ممتازة، ذلك أن معامل الانكسار (قرينة الانكسار) يتغير فيها على طول قطرها الأمامي الخلفي، مما يجعل
الأشعة المارة فيها تتبع مسارات منحنية مكوِّنة بذلك صورة واضحة خالية من
الزيغ اللوني أو الكروي. وتقوم السمكة عموماً بالمطابقة بتحريك العدسة إلى
الأمام والخلف، ويستطيع بعض أسماك القرش المطابقة بتغيير شكل العدسة كما
تفعل الفقاريات البرية.
ولبعض
الأسماك عيون أنبوبية تساعد على توسيع حقل الرؤية بتوجيه هذه العيون إلى
الأمام أو الأعلى. وللبعض الآخر عدسة خاصة تمكِّن من التركيز في الوسطين
الهوائي والمائي.
ويتمتع معظم الأشلاقيات
والخرافيات وبعض الأسماك العظمية بإمكانية عكس الضوء الذي يصل إلى الخلايا
البصرية، لذلك تلمع عيونها مثل عيون القطط، كما يمكنها التحكم في الموجة
الضوئية المراد عكسها.
الشم والذوق:
الفصان الشميان في دماغ الأسماك كبيرا الحجم، وهذا يعكس حاسة الشم
المتطورة جداً. فبعض أسماك القرش يستشعر وجود الحموض الأمينية بتراكيز لا
تزيد على 10-9 جزيء غرامي وزني. والأنقليس يستشعر وجود كحول بِتافِنيل إتيل B-phenyl ethyl alcohol بتراكيز 10-8
جزيء غرامي وزني، ويتم حس الشم في الأنف المبطن بنسيج ظهاري ذي طيات يمر
الماء من خلالها باتجاه واحد، تنتشر عليها خلايا حسية تمثل المستقبلات
الشمية التي ترسل محاورها العصبية إلى الدماغ عن طريق الأعصاب الشمية.
وللأسماك
عدد من المستقبلات الكيمياوية والحليمات الذوقية تستعمل مثل الجهاز الشمي،
وغالباً ماتوجد الحليمات الذوقية على أعضاء خاصة مثل الذقينات والزوائد
الاستشعارية أو على الأشعة الزعنفية الحرة التي تسمح حركتها بتقصيّ الوسط
المحيط.
الخط الجانبي: وهو عضو خاص يميز الأسماك، يتمثل بمجموعة من القنوات في الرأس
وقناتين تمتدان على طول جانبي الجسم، تحتوي على مُسْتَقْبِلاتٍ خاصة تتحسس
بتغيرات الضغط والتيارات المائية، مما يسمح للحيوان بتوجيه نفسه والتلاؤم
مع الأحوال كافة.
المستقبلات الكهربائية: يمكن لبعض الأسماك استشعار حقل كهربائي لا يزيد على 0.01 مكرو فُلط/سم، فتستطيع بذلك اكتشاف الفرائس المدفونة في الرسابة، ويمكنها توجيه نفسها ضمن حقل المجال المغنظيسي الأرضي.
وتوجد
هذه المستقبلات في كل الأشلاقيات، وفي مجموعات مختلفة من الأسماك العظمية،
وفي الحفش وذوات التنفُّسين[ر]. والمستقبل قناة تمر من سطح الجلد إلى جراب
يحتوي على خلايا حسية تتصل قاعدتها بنهايات عصبية من أعصاب الخط الجانبي.
وتملأ القناة مادة هلامية تشبه في تركيبها الشاردي ماء البحر، وهي ذات
مقاومة كهربائية منخفضة، في حين يتمتع جدار الجراب بمقاومة عالية.
وتجدر
الإشارة إلى أن هناك فصائل مختلفة من أسماك المياه العذبة، تملك مستقبلات
أخرى تستجيب للترددات العالية التي يتم تحريها عن طريق تضافر بين إصدارات
عضو كهربائي والمستقبلات الكهربائية.
الأعضاء الكهربائية:
وهي ألياف عضلية مخططة فقدت خاصتها في التقلص واكتسبت خاصة إصدار طاقة
كهربائية بشكل نبضات أو موجات تستعملها الأسماك في تفحص الوسط المحيط، وفي
الاتصال بغيرها، وصعق فرائسها أو في دفاعها عن نفسها. ويشذ عن ذلك أسماك
قوسيات القص sternarchids التي تعيش في المياه العذبة، والتي تنشأ فيها الأعضاء الكهربائية من تحوّل ألياف عصيبة.
وتتألف
الأعضاء الكهربائية من خلايا منبسطة معصبة من جانب واحد، ومرتصة على نحو
يمكِّنها من جمع الكمونات الصغيرة الناشئة عن زوال الاستقطاب عبر الأغشية،
فَتُصْدِرُ بذلك كمونات كبيرة تصل إلى 500فلط لدى السمك الكهربائي Electrophorus. كما سُجِّلَ توتر 450 فلط لدى سمك السلور الكهربائي electric catfish. في حين يطلق الرَّعّاد Torpedo دفعاته بتوتر40 فلط تقريباً. ومعظم الأسماك لا يتعدى ما يعطيه الفلط الواحد.
التألق:
يُصْدر عدد كبير من الأسماك البحرية الضوء بوساطة أعضاء تخصصت لذلك. وهناك
نمطان أساسيان من الأعضاء الضوئية. أحدهما فيه خلايا ضوئية خاصة
بإصدارالضوء، وثانيهما توظف فيه السمكة بعض الجراثيم المتعايشة معها لإصدار
الضوء، وذلك بتربيتها ضمن أكياس خاصة.
ويستعمل الضوء في جذب الفريسة أو تحريها، ولكن الاستعمال الأكبر هو في الاتصال[ر] أو في التمويه.
التكاثر
كثير
من الأسماك خِناث، ولاسيما أسماك الصخور المرجانية. وتفيد هذه الحال في
الحالات التي يتعذر فيها الاتصال أو يكون فيها إنتاج البيوض محدوداً.
ويتحول الذكر
في بعض الأنواع البحرية إلى خنثى ثم إلى أنثى، ويتزاوج بعض أنواع الشعاب
المرجانية تزاوجاً مُتَبادَلاً، ولكن الغدد التناسلية تميل إلى إنتاج بيوض
أكثر من
النطاف، مما يساعد على إنتاجية أكبر. وهناك أسماك وحيدة الجنس. وعلى
العموم تكون بيوض الأسماك العظمية صغيرة الحجم وكثيرة جداً، تتحول بعد الإلقاح
إلى يرقات، ثم تتحول لتصبح شبيهة بالأبوين. أما بيوض الأسماك الغضروفية
والجريث فهي كبيرة الحجم وقليلة العدد، وتتطور الصغار التي تخرج من البيوض
مباشرة إلى حيوانات شبيهة بالأبوين.
وتختلف أنماط التكاثر بحسب المجموعات السمكية، فلدى صفيحيات الغلاصم (الأسماك الغضروفية) يتم الاقتران بوساطة مشبكين claspers
هما زائدتان متطاولتان ملحقتان بالزعنفتين الحوضيتين، تحمل كل منهما
ميزاباً يُكَوِّن مع الميزاب المقابل قناة تضمن نقل السائل المنوي إلى
الفتحة التناسلية الأنثوية. ويتم إلقاح البيوض في القناة الناقلة للبيوض.
وتضع إناث الأسماك الخرافية[ر] والشفنين وبعض فصائل القرش بيوضها الملقحة في الماء، فهي حيوانات بيوضة oviparous، أما أسماك القرش الرمادي وأبو مطرقة وغيرها من الأسماك الغضروفية فهي ولودة viviparous، إلا أن أجنتها تعتمد في تغذيها على المح لمدة ثلاثة أشهر ثم على حبل سري لمدة عشرة أشهر. أما بعض أنواع الشفنين فليس له حبل سري وتتوافر عوضاً عن ذلك آلاف الخيوط المغذية trophonemata تدخل الجنين عن طريق الفوهات التنفسية.
أما
الأسماك العظمية فمعظمها بيوض. وتكون يرقاتها صغيرة وحياتها قصيرة عموماً،
ونسبة الوفيات فيها عالية. وتتمثل الأنواع الولودة من الأسماك العظمية في
مجموعتين فقط: الأسماك الثعبانية Ophidioids والبطريخيات cyprinodontoids.
وتتنوع
العادات التكاثرية لأسماك المياه العذبة، فلبعض الأنواع الولودة أعضاء
تناسلية ذكرية تتكون من تطاول أشعة الزعنفة الشرجية. وبعضها الآخر يكون كله
إناثاً وتحتاج لنطاف نوع آخر قريب منه للتحريض على إنتاج البيوض. والريفول
المرموطي Rivulus marmoratus خنثى يلقح نفسه بنفسه.
وبيوض الأنواع البيوضة كبيرة ومزودة بخيوط لاصقة، توضع على القاع أو تُخَبأ أو تدفن أو تُحمل بحسب النوع. وهي تفقس لتعطي كائنات هي صورة مصغرة عن الأبوين.
ويرتبط
تكاثر عدد كبير من الأنواع الاستوائية بالمواسم المطرية، إذ تنتظر الأسماك
حدوث الفيضان الذي يوسع بيئتها المائية ويضمن ما يلزم من المواد المغذية.
وبيوض الأنواع الاستوائية البحرية وأنواع المناطق المعتدلة البحرية قابلة
للعوم، فهي إما طافية أو متعادلة neutral، وهذا ما يمكنها من الانتشار السريع بعيداً عن مناطق التكاثر. إلا
أن ثلث الأسماك البحرية يعطي بيوضاً لا تعوم إذ تتوضع على القاع أو تلتصق
في أماكن يحرسها أحد الأبوين أو كلاهما. وأكثر الأنواع يبيض عدة مرات في
فصل تكاثري طويل.
السباحة
دور العضلات: تعتمد السباحة على عمليتين اثنتين: الأولى حدوث تموجات على طول الجسم من الأمام إلى الخلف، كما في الأنقليس
وكلب البحر؛ والثانية حركة الذيل، وهي ما يعتمده الأسقمري[ر] الذي لاينثني
جسمه إلا قليلاً. ومعظم الأسماك وسط بين الحالين. ويزيد الاعتماد على
الذيل كلما ازدادت السرعة.
وتعتمد هذه العمليات على مجموعة من العضلات تحيط بالهيكل، مؤلفة من قطع عضلية myomeres
متتابعة يصطف بعضها وراء بعض بشكل زاويٍّ <<<< يمثل الترتيب
القِطَعي لعضلات المراحل الجنينية. ويمكن تمييز نوعين من العضلات: عضلات
بيض تشكل معظم اللحم في السمك، وهي مختصة بالتنفس اللاهوائي وتعمل بالتحلل
السكري glycolysis اللاهوائي، لهذا ينتج منها كميات كبيرة من حمض اللبن، وتختص هذه العضلات بالسباحة السريعة؛ وعضلات حمر تشكل 5-15% فقط
من مجمل العضلات، وهي طبقة رقيقة تحيط بالعضلات البيض، وتزيد سماكتها في
وسط الجسم على كل من جانبي منطقة الخط الجانبي. وهي تختص بالتنفس الهوائي،
لذلك تكثر فيها الأوعية الدموية والميتوكندريات mitochondria، وتسهم في السباحة البطيئة.
دور الزعانف:
تساعد الزعانف على التجديف والتوازن والدفع. فمثلاً تستعمل السمكة
زعنفتيها الصدريتين في دفع جسمها للأعلى، أو في المحافظة على عمق معين. لكن
الاحتكاك المتولد عن ذلك يؤدي إلى صرف كثير من الطاقة فتضطر سمكة الأسقمري
مثلاً التي تزن نحو 25 غراماً في ماء البحر إلى توليد قوة رفع حركي dynamic lift مقدارها 2،1 × 410 نيوتن حتى تبقى على مستوى واحد، ولذلك كان الأفضل اعتماد الرفع الساكن static lift. ولما كان معظم مكونات السمكة أشد كثافة من ماء البحر كان لا بد من إيجاد ما يدفع السمكة للأعلى، وهذا يتمثل بالكيس السباحي.
دور الكيس السباحي: هذا الكيس وسيلة عوم فريدة من نوعها، ويسمى أيضاً المثانة الهوائية swim bladder، التي تشكل 5
% من حجم السمكة البحرية و7% من حجم السمكة النهرية. ويحافظ هذا الكيس على
حجم ثابت بامتصاص الغاز في أثناء صعود السمكة في الماء أو إفرازه في أثناء
هبوط الحيوان، يمكِّن السمكة من البقاء في حال عوم متعادل neutral buoyancy. ولكن الضغط يزداد في البحر بمعدل /1/ ضغط جوي لكل 10م عمق (في المناطق السطحية). ولما كان الكيس السباحي يخضع لقانون بُويْل Boyle فإن انتقال سمكة في السطح إلى عمق10م يتطلب انتصاف حجم الكيس، وهذا غير ممكن لأن عمليات التنظيم داخل الجسم لا يمكنها التكيف
مع هذا التغير الشديد. لهذا لا يوجد لكثير من أسماك السطح كيس سباحي
(كالتن والأسقمري)، أو يكون كيسه مختزلاً كما في الأسقمري الموري Scombromorus. ولهذا يوجد الكيس السباحي فقط في بعض الأسماك، مثل السمك الطائر.
أما في الأعماق فإن سمكة على عمق 500م لا يتغير حجم كيسها أكثر من 2.5% من حجمه الأصلي إذا ما هبطت إلى عمق 510م.
وينشأ الكيس السباحي كجيب من مقدمة أنبوب الهضم. وتحافظ الأنواع البدائية من الأسماك كالأنقليس على القناة الواصلة بين الكيس والقناة الهضمية (مفتوحات الكيس السباحي physostomes)،
وفي هذه الحالة يأخذ الحيوان الهواء من السطح ليملأ به الكيس. إلا أن معظم
الأسماك العظمية تتخلص من هذه القناة الواصلة في المراحل الأولى من تطورها
اليرقي أو بعد ذلك، وتسمى هذه الأسماك بمسدودات الكيس السباحي physoclistes،
التي يكون كيسها السباحي قد امتلأ بالغاز قبل التخلص من القناة، أو بوساطة
خلايا متخصصة في جدار الكيس تفرز الغاز اللازم باستخلاصه من الدم. وإن
الاحتفاظ بالغاز داخل الكيس يتطلب عدم نفاذية جداره في الوقت الذي لابد له
من أن يكون مرناً. لهذا توجد طبقات من بلورات الغوانين guanine على جدار هذا الكيس يصل سمكها لدى الأنقليس إلى 3مكرون (10-6م ). والواقع أن إزالة هذه الطبقة تزيد نفاذية الجدار أربعين مرة.
دور الشحوم والزيوت:
تسهم في عوم الأسماك أيضاً الشحوم والزيوت التي تخزنها في جسمها. وأكبر
مخازن الشحوم هو الكبد التي يصل وزنها في أسماك القرش، التي تعيش في
الأعماق، إلى ربع وزن السمكة، في حين لا يزيد وزن الكبد في الأسماك الأخرى
على 6% من وزنها. وتحتوي الكبد على شحوم تتألف أساساً من مادة السكوالين squaline،
كما تحتوي بيوض الأسماك على هذه المادة، لذا فإن حملها لا يزيد من كثافة
الأم، إذ تكون البيوض متعادلة العوم. كما أن الأسماك الثعبانية المنخر Mycotophidae
التي تنتقل في المحيط يومياً 500م صعوداً وهبوطاً، قد ملأت أكياسها
الهوائية بالشحوم، مع أن يرقاتها تملك أكياساً سباحية بالمعنى الصحيح.
بيئة الأسماك
توجد الأسماك في جميع البيئات المائية بمجال حراري يراوح بين الصفر المئوي وأكثر من 40ْس بحسب النوع. ويقطن نحو 41% من الأسماك في المياه العذبة، وأهمها الشبوط والسلور.
أما أسماك البحر فيعيش نصف أنواعها في الأماكن الدافئة، معظمها على الرصيف
القاري (الرصيف القاري هو ذلك الجزء من قاع البحر قرب الشاطئ الذي لا
يتجاوز عمقه200 متر عن سطح الماء). ويعيش 5% فقط من مجموع الأسماك في
المياه الباردة.
ويكوّن
الرصيف القاري مستودعاً غذائياً ضخماً بما يحويه من كائنات نباتية
وحيوانية تتغذى بها أسماك تلك المنطقة، التي تتحمل التغيرات الكبيرة في
الملوحة والحرارة. لذلك تعرف هذه الأسماك باسم واسعة الملوحة euryhaline واسعة الحرارة eurythermic، في حين لا تستطيع أسماك أعالي البحار تحمل هذه التغيرات غير الموجودة أصلاً. لذا تعد أسماك أعالي البحار ضيقة الملوحة stenohaline ضيقة الحرارة stenothermic.
ويميَّز
في أسماك الأنهار: أسماك أعالي النهر التي تلاءمت مع سرعة التيار هناك،
ووفرة الأكسجين، وبرودة الماء، مثل التروتة [ر] والمِنَّوه minnow.
أما أسماك المنطقة المنخفضة في النهر، مثل الشبوط[ر]، فقد اعتادت على
درجات عالية من الحرارة، وكميات قليلة من الأكسجين، وعلى قاع موحل يحتوي
على كائنات وبقايا عضوية تتغذى بها.
أما البحيرات القليلة الغذاء oligotrophic (وهي تتميز بعمقها وغناها بالأكسجين وإنتاجيتها الأولية primary productivity المنخفضة) فتسيطر فيها أنواع مثل التروتة وغيرها من السلمونيات، في حين أن البحيرات الوافرة الغذاء eutrophic (وهي عادة ضحلة وتخلو مياهها العميقة من الأكسجين وإنتاجيتها الأولية مرتفعة) تسيطر فيها الشبوطيات.
سلوك الأسماك
السلوك العدائي: ينجم عن التنافس ضمن النوع
الواحد، على الطعام أو المكان أو القرين، عدائية تتجلى في مظاهر الهجوم
والدفاع التي يتخذها الفرد. وتظهر ضمن أفراد المجموعة سلسلة من السلوكيات
التي تحدد مكانة كل فرد، فتخفف بذلك حدة التوتر.
والإشارات التي تحرض على السلوك يمكن أن تكون بصرية أو سمعية أو حسية . فحين ترى سمكة أبو شوكة stickleback خصماً تأخذ وضعاً خاصاً وكأنها تقف على خطمها وترفع الشوكة الأمامية من زعنفتها الظهرية بوضوح.
وتؤدي
الغدد الصم دوراً مهماً في السيطرة على السلوكية، كما أن السلوك ذاته يؤثر
في إفراز الهرمونات. فمحور الغدة النخامية ـ الغدة التناسلية يحدد فيما
إذا كان على الذكور أن تقوم بأعمال دفاعية عند التكاثر، كما يفعل أبو شوكة،
أو أن يقوم كلا الجنسين بهذه العمليات كأسماك المشط cichlids.
ويعمل محور الغدة النخامية ـ الغدة الكظرية بوساطة الكرتيزون الذي يؤدي
دوراً في الدفاع عن النفس وردود الفعل المختلفة بمعزل عن عملية التكاثر.
الهجرة وتكوين السرب: لعل السلمون
من أشهر الأسماك التي تهاجر إلى أعالي الأنهار ليتكاثر ثم يموت. وتخرج
اليرقات من البيوض وتبدأ الهجرة المعاكسة نحو البحر حيث الغذاء الوافر.
وتتميز هذه الأسماك بقدرتها على التغلب على ما تكتنفه هجرتها من تغيرات
كبيرة في الملوحة.
وهناك من الأسماك ما يهاجر ضمن المحيط، فالأنقليس يهاجر بين بحر السرغس وأوربة، وبين البحر نفسه وأمريكة. وهي هجرات غاياتها التكاثر والتغذي. وهناك هجرات تحرض عليها درجات الحرارة، مثل رحيل أسماك البحيرات من السطح إلى الأعماق في الشتاء بحثاً عن الدفء.
وترتبط
الهجرة بقابلية السمكة للتجمع في سرب. وتظهر هذه القابلية منذ أن تكون
السمكة يرقة وتتطور مع نموها. وحين تصل هذه إلى طول 10مم يتم تكوين سرب له
خواص مشتركة.